خطر الثقافة الصدامية
لقد أسـفرت هذه الثقافة عن إفراز مواقف وأحداث بالغـة الخطـورة عانـى منها قبل غيرهم ، فإطلاق فتاوى التكفـير المنطلقة مـن تراكـمات جاهلية وانفعالات نفسـية بلهـاء ، أدّى إلى زعزعة الأمن الاجتماعي ، كما أنها رسمت صـورة قاتمة مشـوهة عـن الإسلام والمسلمين في أذهان الغربيـين وغيرهم ، وغدا العـالم الغربي بدولة وشـعوبه لا يفرِّق بين مسـلم واعٍ وبين مسلم جاهل ينسب إلى الإسلام بالقول لا بالفعـل ، وهـذا الانطباع السـلبي الـذي خلَّفته ثقافة التشـدد ، اسـتفادت منه القوى المعادية لخط الإسلام ‘ فغـدت تنشر وتبث ثقافت البغض والكراهية ازاء العرب والمسلمين ، وجعلتهـم في خانـة القتلـة التواقين للدمـاء وإزهاق الأرواح ، وقد قام الإعلام الغربي بوسائله المعتددة بدورٍ كبيرٍ في تأصيل هذه الفكرة في الفكرة في أدهان الشارع الغربي ، مما أدّى إلى تفاقم الأزمة مع المسـلمين ، وتحميلهم مسؤولية كلّ مـاحـلّ بهم مـن أزمات وأحـداث .
تبعثر الجهود وتشتت الطاقـات
إن من أولوياتنا في العمل الإيجابي هو تضافر الجهود وجمع الكفاءات للوقوف والتصـدي لمخططات الأعداء ومؤامراتهم التي أخذت أشكالاً متعـددة للتأثير على عقل المسـلم وفكره ، ومـن أخطر آليـات التأثير لـدى الغرب هـو الإعلام والغزو الثقافي ، فقـد غزينـا في عقـر دورنا وسـحب البسـاط من تحت أقدامنـا مـن خـلال الأفلام والمسلسلات ، وبرامـج الإغراء الراميـة إاى المتاجـرة بالغرائـز والشـهوات ، والهادفة إلى سـلب هويتنا وانتزاع أصالتنا .
إن طوفـان الخطر الذي يلاحقنا يدعونا أن نفكر جديًّا في إيجاد آليات تؤهلنا للصمود أمام المخاطر والتحديات ، فخيارنا الذي لابُدَّ منه هو نشر ثقافتنا الإسلامية بكل أبعادها وجوانبها المشرقـة بأسلوب يبتغـي العقل والحكمـة والموضوعية ، قال تعالى : ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (1)
وأيضًا تحصين الأجيال اللاحقة بالفكر الاسـلامي المعتـدل الذي يصونهـم من المخاطـر ويحفظهم من الانزلاق في مهاوى الأذى ، ويحول بينهم وبين الارتماء في دوائر الانحراف .
إن الطمـوح يحدونـا لأن نصنـع قوتنـا بأنفسـنا ، لتكون الركيـزة المتينة والقاعدة الصلبـة لفاعليتنا ، وإننا ندرك أن قوة الأمم والمجتمعات تكمـن في تعدد الكفاءت وتنوع القدرات في كافة التخصصـات الحياتية والميدانية ، وهي التي تسـاهم في عملية الإنهـاض والبناء الاجتماعي ، كما أنّ قوتها تسـتوجب احترامهـا وتقديرها لدى سـائر القوى ، وأن تكـون بمنأى عن الإبعاد والتهميش .
بيد أن وجود أزمة داخلية تنبثق من أوسـاط الأمة كأزمة الثقافة الدامية كفيلة بأن تحدث شرخًا في الجسد الإسلامي وتصدُّعًا في الكيان الاجتماعي ، كما أنهّا تسبب إرباكًا يهدد أمن المجتمع بلا استثناء فتسـود الفوضى ، وتتجه التيارات الناشطة في بعـد الإصلاح الاجتماعـى لإثبـات وجودها بعد تعرضها لحملات التخويـن والتجريـم والتكفـير .. وحينئـذٍ تتراجع المسـيرة البنّـاءة الرامية إلى تجذير معالم الخير في بقاع الأرض .. وتضعف الطاقات وتخبو القدرات ، وتصبح الأمة في دوامة الصراع الداخلي ، ومن ثَمَّ تنشغل عن أهدافها لتشتغل بخطرها الداخلي .
(1) النحل : 125 .