شعار الموقع
الإمام الشيرازي حير الألباب في تصبره وتجلده أمام العواصف
admin3 2011-07-16
عدد القراءات « 1335 »

ضمن ندوة "الإمام الشيرازي مدرسة مناقبية"، المقامة مؤخرا في حسينية الرسول الأعظم بأم الحمام بمحافظة القطيف  في  16 - 10 - 2010م شارك الشيخ  جعفر الداوود بورقة بعنوان: "أخلاقيات العمل الاسلامي في منهج الامام الشيرازي".

وفي مستهل ورقته تحدث الشيخ الداوود عن دوائر رسمتها تعاليم الشريعة هي بمثابة الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها أنّى كانت هوية العدو، فالمواجهة لا ترفع الضوابط الإنسانية، والتصدي دفاعا أو هجوما لا يغيّب المعايير الأخلاقية وأستشهد بسيرة النبي في حروبه وغزواته، نجد تأكيدا منه على عدم توسيع رقعة الحرب، وأن النساء والأطفال والشيوخ هم بمنأى عن المعركة.

فلقد روي عن الإمام الصادق قال: "إن رسول الله كان إذا أراد أن يبعث سرية دعاهم، فأجلسهم بين يديه، ثم قال لهم: سيروا باسم الله وبالله وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله، لاتغلوا، ولاتمثلوا، ولاتغدروا، ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيا ولا إمرأة، ولا تقطعوا شجرا، إلا أن تضطروا إليها، وأيّما رجل من المسلمين أو أفضلهم نظر إلى رجل من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام الله، فإن تبعكم فأخوكم في الدين، وإن أبى فأبلغوه مأمنه واستعينوا بالله عليه. ".

ثم تحدث الشيخ الداوود عن أخلاقيات العمل الإسلامي في منهج الإمام الشيرازي في جهتين:

1- البعد الذاتي: اذ كان متميزاً متألقاً في عطاءاته، في جهاده ونضاله، في سعة علمه ومعارفه، في تصنيفاته وتأليفاته، في تواضعه وأخلاقه.

والأمر الذي ينبغي الوقوف عليه هو عدم اكتراثه بالحملات البغيضة المكثفة التي وجهت ضده، وكانت تستهدف اغتيال شخصيته، وتنفير المتحلفين حوله، وصرف الأنظار عنه، فاستخدمت ضده كلّ الأساليب والوسائل الرامية إلى تسقيطه وتوهينه، وإقصائه عن المشهد الإجتماعي الذي تألق نجمه في سمائه، فمن الأوراق الصفراء والشائعات الكاذبة والتشكيك باجتهاده، والقدح في مرجعيته، في المقابل، وأمام هذا الكم الهائل من الثلب والقدح في شخصيته تساءل الشيخ كيف كانت ردود فعله «قده».

ويتبادر إلى أذهاننا أن أول إجراء يقول به من كان في موقعه ومقامه أن يزيل الركام العالق في الساحة والمتراكم في الأذهان، فيستنفر المؤسسات الاجتماعية والإعلامية لتقوم بصناعة الإعلام المضاد، او أن يلجئ إلى لغة التهديد والوعيد وكشف الأوراق وفتح الملفات، أو ينحى منحى المسوقين والملمعين لشخصيته.

بيد أن كل هذا لم يحدث لدى الشيرازي ولدى مؤسساته فلم نسمع أنه استنهض تياره وخطه ومؤسساته المتنوعة في كل مكان لتنتصر له دفاعا أو هجوما، بل أرتاى وارتمى في دائرة اللا فعل التي هي فرع من نظريته المشهورة «اللاعنف»، فهو يرى الأولوية في تطبيقها على المناوئين له ولخطه قبل تطبيقها على أعداء الأمة والدين.

وبهذا الخلق الرفيع الممزوج بالوعي والصبر والحكمة، حير الإمام الشيرازي الألباب في تصبره وتجلده أمام العواصف التي كانت ترمي إلى زلزلة كيانه المعنوي والعملي على حد سواء.

ويضيف الشيخ الداوود: مع قول العاصفة إلا أنه لم ينحن أمامها، فلم يلن ولم يستكن، ولم ينفعل ولم يضطرب، لم يتراجع عن تحقيق أهدافه وطموحاته، ولم توقف طوفان همته ونشاطه، بل قرر وصمم على ألا يجعل لذرات العاصفة مكانا في ذهنه أو نفسه فينشغل بها، وحياته كانت شاهدا على ذلك حيث يفد على داره المتواضعة الزائرون وبعضهم قد أخذه وهج الانفعال والتأثر لما يسمع من ترهات وسخافات من هنا وهناك، فيأتي ويعرض بضاعة القول والفعل الرخيص، إنهم قالوا، إنهم فعلوا، فيقابله ببسمة «لايهم»، ثم يحول بوصلة الحديث إلى شأن آخر يهم الزائر أوالمستنكر، ينصحه ويقترح عليه مشروعا يتناسب مع وظيفته وتخصصه وهكذا كان نهجه وديدنه إلى أن توفاه الله «عليه الرحمة».

وعلى كثرة تأليفاته وتصنيفاته في مختلف العلوم والمعارف الإسلامية، لم تحتو ورقة واحدة ينتصر فيها لنفسه بل كان همه الواجب أن ينتصر للدين وأن يخدم الأمة.

وكان يدرك بأنه لو اشتغل أو تشاغل بالردود والدفاع عن نفسه وعن خطه، فسوف يجد أن الزمن قد استبقه وبالتالي تضيع الفرص وتضعف الهمة وتتشتت الغايات. وجملة لطيفة التقطتها من كتاب الاستاذ الدكتور محمد حسين علي الصغير في كتابه السيد محمد مهدي الشيرازي موضوعيا ص 10يقول «ولم اسمعه طيلة صلتي به متناولا لأحد بسوء قط، يحمل على الظاهر، ويجري أصالة الصحة، وهو لا يقابل أعداءه ومناوئيه بمثل مقابلتهم له، بل العفو والصفح الجميل من أبرز ملامحه في التعامل، يكل أمرهم إلى الله تعالى، ويدعهم لتأنيب الضمير، فهناك من يثلبه ثلبا لا ورع معه، وهناك من يشتمه جهارا، وقد يشكك بعضهم باجتهاده، وقد يطعن باستقلاله الفكري، وقد ينسبه إلى ماهو برئ منه، ولكنه لا يعبأ بمثل هذه الأقاويل، فله عن ذلك شغل بتطلعاته الريادية، وليس على الهراء سبيل لديه، فهو ارفع جانباً، واعلى لعباً، واسمى عقليةً.

وكان السيد الشيرازي طاب ثراه قد تعرّض في حياته الى حقدِ الحاقدين، واستُهدف من قِبل نفر ضال، وكان الشططُ والبهتانُ والتزويرُ من معالمِ الحملةِ الظالمةِ التي واجهها بقلبٍ سليم، وشقّ غبارَها بعزمٍ ثابتٍ وشجاعةٍ نادرةٍ، فكان مظلوما من قبل هؤلاء، وكان ظلمُه هذا ظلماً فئوياًرمتعمداً، ولم يكن ظلماً اجتماعياً، فقد كان يمثّل الصدارة في نظرِ المجتمع السليم، وكان يتبوأ مقعد الصدق عند جمهرةِ المثقفين، وكان يحظى بتأييدٍ شعبي منقطعِ النظير» - انتهى كلامه -.

ثم تطرق الشيخ الداوود ضمن الحفل التأبيني إلى أزمة المتدينين في تغييب اخلاقيات العمل والقفزَ على ضوابطِ التنافس وكيف أنها ظاهرةٌ مرضيّة تنبئُ عن أزمةٍ داخليةٍ في السلوك وفي التديّن.

ومن تجليات هذه الازمة الداخلية:

1- الخللُ في نظام التفكير.. وتتمثّلُ في خلطِ الأوراقِ دون تمييز بين الورقةِ الرابحةِ والورقةِ الخاسرةِ، ومن هو العدو ومن هو الصديق؟

وهي ازمةٌ يفتقرُ صاحبُها المعايير العقلية، والضوابطَ الشرعية والاخلاقية. فالمثال الذي يتجلّى على الواقع الاجتماعي هو «التنافس».. والسؤال: هل الطرفُ المنافسُ في الدورِ والوظيفةِ يصنّفُ في خانةِ الاعداءِ ام الاصدقاء؟

يبدو أنّ بيانَ الجوابِ يكونُ متوقفاً على توضيح حقيقةِ المصطلحين «العدو - المنافس» ويشير القرآن الكريم الى عناوينَ عريضةٍ تحملُ في طياتها مصاديقَ متعددةٍ في تحديدِ معنى العدو.

أ‌- الشيطان: قال تعالى ﴿ يا أيها الناسُ كلوا مما في الأرضِ حلالا طيباً ولاتتبعوا خُطُواتِ الشيطانِ إنّه لكم عدُوٌ مبين .
ب‌- الكافرون: قال تعالى
﴿ إنّ الكافرين كانوا لكم عدواً مبيناً .
ت‌- المنافقون: قال تعالى
﴿ هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنّى يؤفكون .

فاتضح من الآيات المباركة أنّ العدوَ بأنماطه واقسامه هو الذي يشكّلُ خطراً وضرراً على الإنسان، حيث ينطلقُ من أهدافٍ شريرةٍ يسخرّ فيها كلَّ الوسائلِ الدنيئةِ بغرض الاضرارِ والايذاءِ في الجهة المعنوية والمادية على حدٍ سواء، كما يراهن ُ على زوالِ ديننا وقيمنا وتراثنا. بينما المنافسُ ينبثقُ من ذاتِ الكيانِ والمدرسة التي ننتمي اليها، وهومشروعٌ مماثلٌ يتحرك بالاهدافِ ذاتِها وينطلق من الغايات نفسها، تجمعنا واياه قواسمُ مشتركة بل متعددة فهو شريك في أداءِ الدورِ والوظيفةِ، وينحصر التباين في المنهج او في الاسلوب وكلٌ يعمل على شاكلته او وفق اجتهاده.