تسجيل الدخول
البحث المتقدم
 

   أخطاء شائعة      إحياء ذكرى استشهاد السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام      العزوف عن الزواج -2      العزوف عن الزواج      عبق من سيرة كريمة أهل البيت عليها السلام      وبالوالدين إحساناً      مفهوم الإعتزال بين المدح والذم -2-      حفل المولد النبوي الشريف      عبق من سيرة الخاتم صلى الله عليه وآله      استشهاد الإمام الحسن العسكري عليه السلام      خصال حياة القلوب      إحياء ذكرى رحيل النبي محمد صلى الله عليه وآله      من هدي الخاتم صلى الله عليه وآله      إحياء أربعين الإمام الحسين عليه السلام      إحياء ذكرى شهادة الإمام علي إبن موسى   

المقالات
العلماء في عصر ما قبل الظهور
الشيخ علي آل زايد | 2012-06-10| Hits [1880]

 العلاقة التاريخية بين العلماء والناس:

من يتصفح سجل التاريخ الإسلامي يقطع جازماً بأن شريحة العلماء كانت وما تزال هي الشخصيات المثالية، التي لها قيمتها العالية في نفوس المسلمين، والمسلمون عادة ما تميل أنفسهم لهذه الفئة، باعتبارها الأقرب إلى مصادر التشريع، وبالتالي هي أدرى وأبصر بما جاء به الدين الإلهي، لذلك يعتقدون بأن هذه الفئة هي صمام الأمان لهم في هذه الدنيا، ومن أجل ذلك كانوا ملتصقين بها كثيراً.

ومن ناحية كان العلماء المخلصون حماة للناس بحق، فكانوا مرشدين وموجهين لهم، ومتى ما رأوا فيهم زيغاً أو انحرافاً، وثبوا فوراً بإصدار توجيهاتهم، محذرين من تبعات ذلك الشطط، وحين يرون عدواً يداهمهم، بادروا بإصدار بياناتهم المحذرة للعدو، وألقوا توجيهاتهم المحرضة لمقاومة ذلك الخطر. ومن يتابع حركة الثورات التي قامت لمحاربة الاستعمار يعرف أثر العلماء في مواجهة الأخطار، ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر[1] : شيخ الشهداء عمر المختار المناضل في ليبيا والثائر ضد الغزو الإيطالي الذي خاض أكثر من ألف معركة في عشرين سنة واستشهد بإعدامه شنقاً في 1931م، وكان الشيخ عز الدين القسام في فلسطين، مؤسس كتائب عز الدين القسام إذ تمكن في عام 1921 م من تأسيس خلايا مقاومة ضد الاحتلال البريطاني، وخاض العديد من المعارك والمواجهات في سبيل تحرير الأرض، واستشهد في 1935م، والميرزا محمد تقي الشيرازي المرجع الديني، الذي قاد ثورة العشرين، وحين أراد الانجليز إجبار العراقيين على انتخاب السيد برسي كوكس المندوب السامي البريطاني ليكون رئيساً لحكومة العراق، اعترض على ذلك وأصدر فتواه: «ليس لأحد من المسلمين أن ينتخب غير المسلم للإمارة والسلطنة على المسلمين»، وأخيراً الإمام الخميني المرجع الديني الذي قاد الثورة الإيرانية حتى أطاح بحكم الملك محمد رضا بهلوي عام 1979م، الذي كان يلقب بالشاهنشاه أي ملك الملوك، فكان الطاغية أسيراً لدى الغرب، ومتغطرساً وأمر بسفك الدماء، وعانى الشعب الكثير من الآلام حتى كان الانتصار عام 1979م، وهناك العديد من العلماء الذين ناضلوا من أجل عزة بلدانهم، وتحررها من أيدي العملاء العابثين بمقدرات الشعوب، وقد سطروا أروع الملاحم في مقارعة الأعداء، وبذلوا الغالي والرخيص في مقاومة المحتلين، ومن هنا كانت العلاقة بين العلماء والناس علاقة وطيدة.

 ما سيتعرض له العلماء من السلطان:

ومن خلال تتبع النصوص الإسلامية التي تتحدث عن العلماء، بدا واضحاً بأن العلماء سيتعرضون لوسائل ضغط كبيرة من قبل حكام عصرهم، ويمكن أن نسجل هنا بعض الصور التي يمكن أن يتعرض لها العلماء في حياتهم من قبل السلاطين، وهي كالتالي:

أولاً: تحويل العلماء إلى أدوات:

لقد فطن أعداء الإسلام إلى أن الترابط بين المسلمين وعلمائهم، تشكل عقبة كأداء تقف في طريقهم، ومن هنا عمدوا إلى تفتيت هذا التلاحم أو إبعادهم عن جادة الصواب، فجاءت أهمية تسخير العلماء لأوامر الأنظمة، ليكون ما جاء عن أمير المؤمنين  بقوله: «والعلماء حكام على الملوك» [2] ، مقلوباً ليصبح الملوك هم حكام على العلماء! وحينئذ يمكن تصفيد العلماء عن مخالفة ما يبتغيه السياسة، وجعلهم يدورون مدار الأنظمة المكبلة بالاتفاقيات والعهود، وكونهم قريبين من السلطات سينفع كثيراً في تمرير السياسات الخاطئة، وستكون الأنظمة في نظر الناس أنظمة شرعية باعتبار وجود العلماء فيها! وهذا بالضبط ما حصل، فقد سخرت هذه الطبقة من الناس لحماية الأنظمة، وقدمت كل ما تحتاج إليه من إفتاء وتبرير، تتناسب مع ما يبتغيه أعداء الدين. ومن هنا جاء تحذير النبي  للناس، من عدم أخذ دينهم من هؤلاء الذين يتبعون السلطان، فقال : «العلماء أمناء الرسل ما لم يخالطوا السلطان ويداخلوا الدنيا، فإذا خالطوا السلطان وداخلوا الدنيا فقد خانوا الرسل فاحذروهم» [3] .

ثانياً: تهميش العلماء المخلصين:

وفي مقابل الفئة الموالية للحكومات تبقى فئة أخرى لا علاقة لها مع هذه الأنظمة، وعادة ما تكون قريبة من جوهر الدين، لأنها متحررة من الضغوط التي تتلقاها الفئة الأخرى، وحيث أنها متحررة لذلك تقوم بتوجيه الناس التوجيه السديد، وتبين للناس الحقائق الدينية، والتي تتغاير كلياً عما عليه الفئة المأسورة، وحينئذ تصبح هذه الشريحة من العلماء في خصومة حادة مع الأنظمة، وستعدها الأخيرة خطراً عليها، لأنها تعارض سياستها المشبوهة، لذلك تقوم الدول بعدة خطوات مريرة ضدها، كعدم السماح لها بالظهور في الوسائل الإعلامية للتحدث، ومنعها من تأسيس المراكز الثقافية، ووضع العراقيل في طبع منتجاتها الفكرية، وغيرها من أعمال تؤدي إلى تهميشها.

ولا يبعد أن تقوم الدول المستعمرة بتشويهها، بشكل مباشر أو غير مباشر، كمعاقبة من يرتبط بهم بخلق أزمات لهم، كما حدث ذلك في العراق أيام الطاغية صدام حسين، أو إشغال الناس عنهم بأزمات معيشية كما يلوح في الأفق، فيؤدي ذلك إلى فرار الناس عنهم، كما جاء في النص النبوي: «يفرون من العلماء كما يفر الغنم عن الذئب» [4] ، بل سينعكس الإهمال للعلم الديني إلى درجة عدم بعث الأبناء لتحصيله، وهذا ما أشار إليه النبي  بقوله: «ويل لأطفال آخر الزمان» [5] ، ومن هنا جاءت أهمية كتابة العلم، لترثه الأجيال اللاحقة وتأنس به عند افتقاد العلماء، يقول أبو عبد الله : «اكتب وبث علمك في إخوانك، فإن مت فأورث كتبك بنيك، فإنه يأتي على الناس زمان هرج، لا يأنسون فيه إلا بكتبهم» [6] .

ثالثاً: تصفية العلماء المعارضين:

وهذه النقطة تقوم بها الدول الجائرة التي تخشى ألسنة العلماء المقاومين، الذين يقارعون الظلم والاستبداد بجهادهم، فتقوم تلك الأنظمة بتكميم أفواههم، أو تصفيدهم في السجن، وحين يرون أن السجن لا يؤتي أكله، وأنهم يشكلون خطراً على الدولة، فإنهم لن يترددوا من القيام باغتيالهم، وقد جاء عن الرسول  قوله: «يأتي الناس زمان يقتل فيه العلماء كما يقتل اللصوص» [7] ، والوسائل لتحقيق ذلك كثيرة، فمنها على سبيل المثال[8] : بإطلاق الرصاص كما حدث للشهيد محمد محمد صادق الصدر عام 1999م، والشهيد حسن بن المهدي الحسيني الشيرازي عام 1980م، أو بواسطة سيارة مفخخة، كالذي حدث للشهيد محمد باقر الحكيم عام 1424هـ، أو بمفجرات تي إن تي كما حدث للشهيد عبد الحسين دستغيب عام 1981م، أو بصواريخ موجهة من طائرة، كما وقع للشهيد أحمد ياسين عام 2004م، وهناك العديد ممن طالته يد الغدر بوسائل مختلفة.

 نتائج تصفية العلماء أو العزوف عنهم:

ويبدو من خلال الأخبار أن المجتمع الإسلامي سيخلو في يوم الأيام من العلماء الموجهين، إذ جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «يأتي على الناس زمان يقومون ساعة لا يجدون إماماً يصلى بهم» [9] ، وإمام الجماعة عادة ما يكون من جنس العلماء.

كما أن انقراض العلماء هو أحد معاني قوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ﴾[10] ، حيث جاء في تفسير مجمع البيان: «وثانيها: نقصها بذهاب علمائها وفقهائها، وخيار أهلها» [11] ، وهذا الرأي مؤيد من قبل الإمام الصادق  حيث «سئل  عن قول الله عز وجل: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ﴾[12] ، فقال: فقد العلماء» [13] ، فإذا افتقد العلماء سواء كان بسبب التصفية أو التشويه من قبل الجائرين، أو بسبب العزوف من قبل الناس فإنه سيترتب على ذلك نتائج خطرة على رأسها الجهل، كما قال النبي : «إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل» [14] ، وحينئذ تحل الأمية في المجتمع الإسلامي، أمية في الفقه والتشريع، ويتفرع من ذلك الوقوع في المعاصي والآثام، وعلى رأسها شرب الخمور، وارتكاب المحرمات الجنسية، فقد جاء في وصف آخر الزمان قول النبي : «ويشرب الخمر ويفشوا الزنا» [15] .

 العلماء في آخر الزمان بين ثلاثة مواقف:

ومن يتصفح النصوص الإسلامية التي تعنى بالفترة الزمنية لما قبل الظهور، سيجد أنها توصف العلماء بالأشرار، كقول الرسول : «فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء...» [16] ، وهذا يعني أن العلماء الحقيقيين إما أنه قد ماتوا، أو أنهم قلة، ولا قدرة لهم على التغيير! فأما الاحتمال الأول فقد جاء في النص عن النبي  قوله: «إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل» [17] ، وقد فسر النبي  ذهاب العلم في رواية أخرى بقوله: «إن ذهاب العلم ذهاب حملته» [18] ، وأما ما يدل على الاحتمال الآخر، فقول النبي  وهو يوصف عصر ما قبل الظهور: «قل الفقهاء الهادون، وكثر فقهاء الضلالة» [19] ، وبحسب ما ورد من نصوص ترتبط بما قبل الظهور، يتراءى بأن العلماء سينحصرون بين ثلاثة مواقف، الموقفان الأولان خطران:

الأول: معارضة سياسة الأنظمة:

يظهر من الروايات بأن ثمة علماء سيقفون أمام الحكام الجائرين، الذين يحكمون باسم الإسلام وهم بعيدون عنه، فاتخذوا مال الله دولاً وعباده خولاً، فيقف العلماء في وجوههم لاسترجاع الحقوق ولئلا يتمادون في ظلمهم وطغيانهم، ولعل أبرز ما يتمسك به في هذا الإطار من النصوص، ما ورد عن الإمام علي : «كيف أنتم وزمان قد أظلكم؟! تعطل فيه الحدود ويتخذ المال فيه دولاً، ويعادى [فيه] أولياء الله، ويوالي فيه أعداء الله؟! قلنا: [يا أمير المؤمنين] فإن أدركنا ذلك الزمان فكيف نصنع؟ قال: كونوا كأصحاب عيسى ، نشروا بالمناشير، وصلبوا على الخشب، موت في طاعة الله عز وجل خير من حياة في معصية الله» [20] .

ولا شك أن اتخاذ مثل هذا الموقف سيصاحبه العديد من المخاطر، ليس على من يتبنى هذا الاتجاه وحسب، بل حتى من يكون قريباً ممن يتبناه، لأنه كما يقولون الخير يخص والشر يعم، فإن الحكومات التي تقارع هذه المجموعة المقاومة، ستعمم قمعها كل من حام حولها، وكل من سكن بالقرب منها، باتخاذ إجراءات عقابية تشمل الجميع!

الثاني: إتباع سياسة الأنظمة:

ويبدو أن هذا الموقف هو الذي سيسود في آخر الزمان حيث جاء في الرواية عن النبي : «يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة ووزراء فسقة وقضاة خونة وفقهاء كذبة» [21] ، وقال : «يأتي زمان على أمتي، أمراؤهم يكونون على الجور، وعلماؤهم على الطمع...» [22] ، وأكد الإمام العسكري  ذلك بقوله: «سيأتي زمان على الناس... وعلماؤهم في أبواب الظلمة [سائرون]... علماؤهم شرار خلق الله على وجه الأرض...» [23] ، وعلى هذا المعنى يغدو أن المقصود من العلماء المذمومين في آخر الزمان، هم أولئك السائرون في فلك الحكام الجائرين، والراضون بأحكامهم، وليس كل العلماء، وعليه فلا أحسب أن قول النبي : «فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء» [24] ، وقول الإمام العسكري : «علماؤهم شرار خلق الله» [25] ، يشمل الذين ينأون عنهم ولا يرتبطون بهم، كما ذهب إلى ذلك أحمد الحسن الذي يدعي أنه وصي الإمام المهدي ورسوله! فأعتقد أن العلماء الربانيين هم بعيدون كل البعد عن ذلك الوصف، وإن جاءت اللفظ بما يفيد العموم، إلا أن القرائن الأخرى تقيد هذا العموم، كقول النبي : «قل الفقهاء الهادون، وكثر فقهاء الضلالة» [26] ، وعليه فإن الوصف المذكور في الروايتين، إما هو خاص بمن ارتبط بالجائرين، أو أن ذلك الزمان سينقرض فيه العلماء الربانيون، فلا يبقى فيه من أهل العلم إلا من تسمى به ظلماً وزوراً.

ولاشك أن إتباع هذا الطريق فيه ضياع للحقوق الإنسانية، بل وللعقيدة الصحيحة، وقد جاء الخبر النبوي بأن السائر على هذا الطريق سيجتني الذنوب والآثام، إذ قال : «سيكون بعدي قوم من أمتي يقرؤون القرآن ويتفقهون في الدين، يأتيهم الشيطان فيقول: لو أتيتم السلطان فأصلح من دنياكم واعتزلتموه بدينكم، ولا يكون ذلك، كما لا يجتني من القتاد إلا الشوك، كذلك لا يجتني من قربهم إلا الخطايا» [27] ، وقد حذر النبي أمته من إتباع مثل هؤلاء فقال: «سيكون في آخر الزمان ديدان القراء، فمن أدرك ذلك الزمان فليتعوذ بالله منهم» [28] ، وقال : «يظهر الدين حتى يجاوز البحار، ويخاض في سبيل الله ثم يأتي من بعدكم أقوام يقرؤون القرآن يقولون: قرأنا القرآن، من أقرأ منا؟ ومن أفقه منا؟ ومن أعلم منا؟. ثم التفت إلى أصحابه فقال: هل في أولئك من خير؟ قالوا: لا. قال: أولئك منكم من هذه الآية: وأولئك هم وقود النار» [29] ، وجاء عن الإمام الصادق  قوله: «ملعون ملعون عالم يؤم سلطاناً جائراً معيناً له على جوره» [30] .

 مخاطر إتباع الأنظمة الجائرة:

يبدو أن علماء آخر الزمان لن يكونوا مستقلين في إصدار فتاواهم الفقهية، وذلك لارتباطهم بالسلاطين التي سترغمهم على إصدار الفتاوى التي تناسبهم، والفقيه إذا كان مقيداً بقيود معينة، فإن إنتاجه الفكري سيكون متأثراً بحسب تلك القيود، ولهذا جاءت النصوص التي توصفهم بأهم: «قضاة خونة، وفقهاء كذبة» مجمع الزوائد - الهيثمي - ج 5 - ص 233، لأنهم سيكونون السبب في إشعال الفتن، حيث جاء في الحديث: «منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود» بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 2 - ص 109، فهؤلاء الذين يطلق عليهم فقهاء، ليسوا بفقهاء حقيقة، وذلك لأن الفقيه هو من يبعد الأمة عن الفتن والتمزق، لا أن يكون مؤسساً لها، فالذين يشعلون الفتن والحروب في جسد الأمة، ليسوا بمخلصين لله، خصوصاً وهم بذلك يخالفون ما جاء عن الرسول  بحرمة التقاتل بين المسلمين، إذ قال: «لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض» [31] ، ومن الواضح جيداً بأن المستفيد الوحيد من إشعال الفتن في بلاد المسلمين هم أعداء الدين، الذين يطمعون في الاستيلاء على خيرات البلاد والعباد، وحيث أن الذين يرتبطون بالسلطان ليسوا بفقهاء حقيقة، لذلك لابد أن يتظاهروا بزي العلماء، ومع مرور الأيام يكون عنوان العلماء يعتمد على التسمية واللباس، وقد جاء عن الرسول : «يأتي زمان على أمتي لا يعرفون العلماء إلا بثوب حسن، ولا يعرفون القرآن إلا بصوت حسن» [32] .

 جزاء العلماء المتقربين للجائرين:

إن المساندين للجائرين سينالون الجزاء العادل يوم القيامة، ومن العقاب الذي سيلاقونه هناك أنهم لن يردوا الحوض، حيث قال الرسول : «فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم وغشى أبوابهم فليس مني ولست منه، ولا يرد علي الحوض» [33] ، وهذا الجزاء إنما هو نتيجة للتخلي عن إتباع ما جاء به النبي ، فقد نهى عن سفك الدماء أو التسبب في ذلك، فخالفوا ذلك وأصدروا الفتاوى المحرضة على قتال المسلمين، فأشعلوا بذلك الفتن في قلب الأمة الإسلامية، وما سطروا تلك الفتاوى إلا نتيجة لابتاع السلاطين، وقد حذر النبي  الأمة من الركون إليهم، فقال: «لست أخاف على أمتي جوعاً يقتلهم، ولا عدواً يجتاحهم، ولكن أخاف على أمتي أئمة مضلين، إن أطاعوهم فتنوهم، وإن عصوهم قتلوهم» [34] ، وما كان إتباع العلماء للسلاطين إلا طمعاً في المال، فكانت النتيجة أن تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء، للفتاوى التي أصدروها، وكان جزاؤهم السقوط في نار جهنم وبئس المصير، يقول الإمام علي : «السلطان الجائر والعالم الفاجر أشد الناس نكاية» [35] ، وقال النبي : «إن في جهنم رحى تطحن علماء السوء طحناً» [36] ، وفي رواية أخرى: «تطحن جبابرة العلماء طحناً» [37] .

الثالث: التحفظ على السياسات دون إعلان:

وهذا الموقف يعني التمسك بأمرين هما:

1/ عدم الركون لسياسة الأنظمة: وعلة عدم الركون لمنهج الأنظمة وقوانينها، لأنها عادة ما تكون مخالفة لما جاء به الإسلام، وأنها ستطبق قوانين وضعية، لعلها من نسيج دول أجنبية عن الدين، فتسمح ببيع الخمر، وارتكاب الزنا، والتعامل بالربا، وغيرها من المحرمات، ففي هذه الحال يجب على العاقل أن يمتثل أوامر الله تعالى الذي يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾[38] ، ويهتم بصلاح القريبين منه تطبيقاً لقول الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾[39] ، وقد جاء صريحاً بهذا العمل في عهد الطغيان، كما روي عن النبي  بما نصه: «إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم وخفت أماناتهم وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه قال: فقمت إليه فقلت له: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: إلزم بيتك وامْلِكْ عليك لسانك، وخذ ما تعرف ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة» [40] ، نعم يجب على العالم أن يظهر علمه حين تظهر البدع، وما يقع فيه الناس من اللبس بأفكار خاطئة، فينبري لتفنيد تلك الآراء، مستشهداً بما جاء من النص الصحيح، وداعياً للتمسك بما صح من النصوص الدينية، وقد جاء في الحديث: «طوبى للغرباء! فقيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: أناس صالحون في أناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم» [41] ، وفي حديث آخر: «إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً. قالوا: يا رسول الله ومن الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس، ولا يمارون في دين الله، ولا يكفرون أحداً من أهل التوحيد بذنب» [42] .

2/ عدم معارضة الأنظمة الظالمة: لاشك أن الأنظمة في آخر الزمان ستعطي الإسلام ظهرها، خصوصاً وقد جاء في الأثر النبوي بأن: «الكتاب والسلطان سيفترقان» [43] ، وهذا مؤشر بأن الانحراف أمر مؤكد ما قبل الظهور حيث جاء عن النبي : «لا يبقى من القرآن إلى رسمه ومن الإسلام إلا اسمه، يسمون به وهم أبعد الناس منه» [44] ، ويفترض أن يكون ثمة اعتراض على الفساد المستشري في جسد الأمة، إلا أن المصيبة تكمن في الحكام الظلمة الذين يعاقبون كل من يطلب الصلاح أو الإصلاح في المجتمع، حتى يكون وضع الأمة الإسلامية كما جاء في النص: «كيف بكم إذا فسدت نساؤكم، وفسق شبابكم، ولم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنكر» [45] ، وكل ذلك خشية على النفس من الهلاك، وقد أفصح عن ذلك نبي الرحمة بقوله: «ويح هذه الأمة من ملوك جبابرة كيف يقتلون ويخيفون المطيعين، إلا من أظهر طاعتهم فالمؤمن النقي يصانعهم بلسانه، ويفر منهم بقلبه» [46] ، لكن تكون النتيجة غرق الأمة في الفساد، حتى يصبح المنكر معروفاً والمعروف منكراً كما جاء في النص! [47] .

ويبدو أن النجاة تكمن في استخدام التقية كما مر في الحديث النبوي السابق، ويؤكده حديث الإمام الصادق  الذي يقول فيه: «يا ابن النعمان إذا كانت دولة الظلم فامش واستقبل من تتقيه بالتحية، فإن المتعرض للدولة قاتل نفسه وموبقها، إن الله يقول: ﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾[48] » [49] ، ويظهر بأن هذا المنهج هو النهج المقبول عند أكثر الناس، في ذلك الوقت بما فيهم العلماء، وقد جاء ما يدعم هذا المسار قول الرسول : «فيا ليت العلماء تحامقوا في ذلك الزمان» [50] ، وقد جاء هذا النص بعد قوله : «يأتي الناس زمان يقتل فيه العلماء كما يقتل اللصوص» [51] ، بيد أن اختيار هذا المسار لا يلغي خط من أراد أن يسلك طريق ذات الشوكة، فإنه وعلى رغم أن السلطات الجائرة ستعاقب من يسلك دربه، بالسجن أو النفي وربما التصفية، إلا أن من يسلك هذا الدرب سيجد ما يبرر موقفه من النصوص، كقول النبي : «سيكون عليكم أئمة يملكون أرزاقكم، يحدثونكم فيكذبونكم، ويعملون فيسيئون العمل، لا يرضون منكم حتى تحسِّنوا قبيحهم، وتصدقوا كذبَهم، فأعطوهم الحق ما رضوا به، فإذا تجاوزوا فمن قتل على ذلك فهو شهيد» [52] .

وأخيراً ينبغي التنويه إلى نقطة هامة على العاقل أن يفكر فيها جيداً، وهي التدبر ملياً في اختيار الطريق الذي يريد أن يسلكه، كي يعيش وهو مطمئن البال في سلامة الخط الذي انتهجه، كما يجب عليه التأمل بعمق في النتائج التي يتوقعها على نفسه ومن حوله، والمصير الذي يتوقعه جراء اختياره الدرب الذي سلكه.

نسأل الله عز وجل أن يلهمنا رشدنا، ويهدينا سواء السبيل إنه سميع مجيب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

 

 
صورة عشوائية
 59
استبيان
 عزيزي المُصلي .. كم تقترح وقت كلمة الجمعة
15 دقيقة
 41.7%

41.7%

20 دقيقة
 58.3%

58.3%

30 دقيقة
 0.0%

0.0%

قائمة المراسلات
كي تكون على صلة بأخبار وجديد الموقع وكي تصلك نشرة الموقع .. سجل معنا

 الاسم:
 
 البريد الإلكتروني:
 


احصائيات

المتواجدون الآن: 1
زوار الموقع 1801600