عوامل نشوء الفكر الصدامي
لا يختلف اثنان في الآثار السلبية التي تلحق بالعقول والأفكار من جراء الفكر المتشدد، ناهيك عن دوامة العنف المفضي في نهاية الأمر إلى التشتت والتنافر بين فئات الأمة أو المجتمع، ثم لا ننسى حجم الخطر الذي يحيق بالنشء والشباب وذلك عبر تسلل أفكاره المدمرة إلى أذهانهم.
فاللازم هو وضع الظاهرة تحت مجهر التقويم، ثم اللجوء إلى الحلول التي من خلالها نتوقى إفرازاته السلبية. وللوصول إلى طرق العلاج تدعونا الحاجة لأن نضع أيدينا على دواعي وأسباب نشوء الظاهرة:
1- التدين المفتقر للوعي:
ففي الوقت الذي تدعونا تعاليم الشريعة إلى التقيد والالتزام بالأوامر والنواهي لتحقيق عامل الاستقرار في المسيرة الحياتية، تدعونا أيضاً إلى أن يتزاوج الالتزام الديني مع قيم الفكر والعقل ليعطي ثماره الطيبة، وتنعكس آثاره الإيجابية على واقع الفرد والمجتمع، ولذا أكدت النصوص الدينية ضرورة إعمال العقل في كل حركات ومواقف الفرد لتكون قريبة من الحق والصواب.
( لما خلق الله العقل استنقطه، ثم قال له أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر،فقال: وعزتي وجلالي ماخلقت خلقاً أحسن منك، إياك آمر وإياك أنهي وإياك أثيب وإياك أعاقب )
عن سليمان قال: قلت لأبي عبدالله الصادق (ع) ( فلان من عبادته ودينه وفضله كذا وكذا، فقال (ع): كيف عقله؟ فقلت : لا أدري، فقال (ع): إن الثواب على قدر العقل )
وعن أنس بن مالك قال: (أثنى قوم على رجل عند رسول الله (ص) فقال (ص): كيف عقله؟ قالوا: يارسول الله نخبرك عن اجتهاده في العبادة وأصناف الخير، وتسألنا عن عقله؟! فقال (ص): إن الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر، وإنما يرتفع العباد غداً في الدرجات وينالون الزلفى من ربهم على قدر عقولهم)
وكثيرة هي النصوص التي تحث على تحكيم العقل في كل مايتصل بالإنسان ، وأن تغييبه في أي بعد من الأبعاد هو توهين لذات العمل وتقريبه إلى مواطن الزلل والخطل.
فإذا انطلق التدين وتحرك بحركة الفكر كان أكثر ارتكازاً ورسوخاً في النفس، وبالتالي تكون المواقف أكثر صحة، وضمن هذا السياق يشير الشهيد محمد باقر الصدر في كتابه ( أهل البيت، تنوع أدوار ووحدة هدف) ويقول: ( إن هناك فرقاً بين الحرارة الإيمانية وبين الوعي والإدراك الإسلامي، وقد تؤدي الحرارة الإيمانية بالانسان إلى التضحية والجهاد والفداء إلا أنها تفتقد النضج والوعي السليم بذات الهدف )
ويشير آخر إلى ( أن التدين يشبه الملح والهرومنات في البدن فمن دون الملح في الطعام يفقد نكهته، ومن التدين في الحياة تنقلب الحياة إلى آلة لا معنى لها، وبقدر حاجة البدن الضرورية للملح بقدر تسممه إذا زادت الجرعة، ولكن قبضة من ملح الطعم تجعل النفس تعافه. فهذه جدلية التدين والتعصب، وإذا أخذ التدين بجرعته المناسبة واقترن بالوعي أعطى للحياة معنى، ونشر الرحمة والحب، وإذا زادت الجرعة انقلب الوعي إلى التعصب والحياة إلى جحيم لا يطاق، وظهر للسطح تدين ضد الحياة والدين).