سماحة الشيخ جعفر يوسف الداوود
في الشأن الحياتي
تفشّت في الآونة الأخيرة مظاهرو ممارسات خاطئة ، تكشف أيضاً عن وجود خلل في نظام التفكير وهي الممارسات التي لها صلة بالسحر والشعوذة ،حيث يظن الكثير إن علاج أزماتهم الصحية والنفسية ، والخروج من دوائر الضنك الحياتي ، وجلب الحظ السعيد، والتخلص من دواهي الحسد وتوابعه ، إنما يكمن في مجالس الزار او الاستعانة بالسحرة ، أو البحث عن أوراق سحرية تقلب المعادلة في اقرب وقت ،لتحوّل البعيد قريباً ، وتصيّر المستحيل سهلا يسيراً، والفشل الذريع إلى نجاح باهر ، والمرض إلى صحة ، والفقر إلى غنى.
والمؤسف أنّ مجاميع من الناس تتسابق وتتهافت على مواطن تسويق السحر والدجل والخرافة وهم على يقين ان خلاص أزماتهم إنما تكون على أيديهم .
وفي المقابل تشهد عزوفاً عن معرفة الأسباب الحقيقية للازمات البدنية والنفسية والعائلية الشائعة، بينما الحلول والعلاج تجده عند كلّ مختص ، فالأمر سهل ، والحل يسير ، فعقولنا تملي علينا بأنّ الأسقام البدنية مردّها إلى الطبيب والى المراكز الصحيّة، والأمراض النفسية المختلفة .. إلى الأخصائيين النفسانيين وعياداتهم.
امّا المبتلى بكثرة النكسات في حياته ، عمله، دراسته،تجارته، عائلته ، عليه أن يقف يحكّم عقله ويعمل بالأسباب الطبيعية ، ويقف على مسببات حالات التلكأ التي تطال البعد العملي والعلمي والاقتصادي ، فمن ينشد النجاح ويبتغي التقدم فلابد أن يأخذ بأسبابهما ،وليس من العقل إن نتمنّى النجاح ونحن متشبثون بعوامل الفشل !!
• في الشأن العملي*
بسبب الجهل قد يقع البعض في مأزق وهو خلط الأوراق دون تمييز بين الورقة الرابحة والورقة الخاسرة ، بين العدو من الصديق ، وهي مشكلة يفتقد صاحبها المعايير العقلية والضوابط الشرعية والأخلاقية التي من شأنها تحديد هوية كل عمل وموقف وقضية .
والمثال الذي يتجلّى على سطح الواقع الاجتماعي هو (( التنافس )) ، والسؤال أن الطرف المنافس في الدور والعمل والوظيفة في شتى الأبعاد والصعد ، هل يُصنّف في خانة الأعداء أم في خانة الأصدقاء ؟
وضوح الجواب يكون متوقفاً على بيان حقيقة المصطلحين من هو العدو؟من هو المنافس؟
من هو العدو؟
1- الشيطان : قال تعالى ( ياأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ولا تتبعوا خطوات الشيطان انّه لكم عدوٌ مبين )).(19)
2- الكافرون : قال تعالى ( انّ الكافرين كانوا لكم عدواً مبيناً).(20)
3- المنافقون : قال تعالى ( هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنّى يؤفكون).
فاتضح من الآيات المباركة من هو العدو الحقيقي الذي يشكّل خطراً على الإنسان ، فهو ينطلق من أهداف شريرة ، يستخدم كل الوسائل السيئة بغرض الإضرار والإيذاء، وايضاً يراهن على زوال ديننا وقيمنا وتراثنا .
بينما المنافس الذي صيّره البعض عدواً هو : مشروع مماثل ، يحمل ذات الأهداف التي نحملها ، وينطلق من نفس الغايات التي ننطلق منها ، وبالتالي هو شريك لنا في خدمة الدين والمجتمع والإنسان ، هو اخ ٌ لنا في الدين والإنسانية ، تجمعنا وإياه قواسم مشتركة ، ولا تخدش الاخوّة بالاختلاف في بعض المواطن .
ثانيا/ تعدد الحرف والمهن والوظائف والأدوار والجمعيات والمؤسسات هي حالة طبيعية موسومة بالايجابية والصحيّة ، فالجميع له حقّ العمل وحق التأسيس لاي مشروع يخدم الدين والمجتمع .
ثالثا/ ميول الإنسان إلى شخص ما او فئة ما ، ينبغي أن لا تفسّر بالعداوة والبغض لغيرهم ، وإنما هي حالة طبيعية فطرية ، ناتجة عن الاختلاف في الآراء والمواقف وحتى الأذواق ، فكل له الحرية المطلقة في الاختيار والانتماء ، وأيضا هو أمر يندرج تحت عنوان الحرية الشخصية للفرد ، وان نضع نصب أعيننا بأننا ليسوا أوصياء على عقول وميولات الناس النفسية. وهنا ينبغي تأكيد هذه الحقيقة ، والتي لها عناوين متعددة، فهي تعني انّ ذهابي –مثلاً- إلى الطبيب رقم 1 لا يعني أني معادٍ للطبيب رقم2، وكذلك تقليدي للمرجع الأول لايعني عدم الاعتراف بالثاني ، وحضوري المستمر في مسجد ما لايعني أن غيره من المساجد تعنون بعنوان ضرار.