السلام عليك يا أمير المؤمنين ...
• التقاء وارتقاء
شاءت الإرادة الإلهية أن يلتقي علي (عليه السلام ) بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ليرتقي , فالتقى وارتقى , وأول هذه العلامات عندما أخذه (صلى الله عليه وآله ) ليربيه في منزل قلبه ومأوى روحه ومعيشة نفسه , لذا أضحى قلبًا وروحًا ونفسًا ساطعة في سماء الوجود (عليه السلام ) فقد كان لصيقًا ملامسًا لنبي الرحمة محمد ( صلى الله عليه وآله ) فتطبع بأخلاقه , واستنار بفيض علومه
وعاش معنى نكران الذات ويكفيه موقفًا عندما بصق عمرو بن عبد ورد العامري بوجهه ووقف يترجم هذه النعمة –نكران الذات – فقام ليخفف غضبه الذاتي ويجعل قتل المشرك قربة لله تعالى ولم يقف عند هذا الحد بل كان ( سلا م الله عليه ) يحميه من صبية قريش الذين يقذفون النبي (صلى الله عليه وآله ) بالحجارة ويرمونه بالتراب , ويتصارخون خلفه " مجنون –ساحر - ..." هنا كان بطل الأبطال ( عليه السلام ) يرد عليهم بيده ولسانه وقلبه فينهزمون من بين يديه " انهزام المعز إذا شد فيها الذئب " ولنقرأ ما يقوله ( سلام الله عليه ) في هذا الموضوع :" وقد عَلمتُم مَوضِعِي من رسولِ الله ِبالقرابةِ القريبةِ والمنزلةِ الخَصيصةِ، وَضعَني في حِجْرِهِ وأنا ولدٌ يَضُمُّني إلى صدرِهِ، ويَكْنُفُني في فراشِهِ .. وكان يَمضَغُ الشَّيءَ ثم يُلْقِمُنيِهِ، وما وجدَ لي كِذبةً في قولٍ، ولا خَطْلةً ـ خطأ ..."1
• إنّه أبو تراب ...فهل تعرفوه ؟
كان للكنى والألقاب في حياة الأئمة عليهم السلام معانٍ منتزعة من جوانب متعددة ومن أبرزها الجانب العبادي , فمثلا الإمام علي بن الحسين ( عليه السلام ) كان يُعرف بالسجّاد وذلك لكثرة سجوده , وإذا نظرنا لــكِنى أمير الموحدين علي ( عليه السلام ) لوجدنا بعضها منتزعًا بواقع ارتباطه بأسرته تارة من مثل " أبو الريحانيتن " إشارة لقول النبي صلى الله عليه وآله بحقه :" يا أبا الريحانتين ..." (2) أو " أبو السبطين وأبو الحسنين وغيرها , لكن نلحظُ كنيةً مرتبطة بالتراب وهي " أبو تراب " وهذه الكنية وإن اُختلف في أصل اطلاقها على الإمام علي ( عليه السلام ) ألا أنها من أفضل الكِنى إلى قلبه
فالنبي (صلى الله عليه وآله ) هو من كناه بها , كما روى الحاكم في مستدركه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجد عليا أمير المؤمنين وعمارا نائمين في دقعاء (التراب اللين ) من التراب فأيقظهما وحرك عليا فقال: قم يا أبا تراب ألا أخبرك بأشقى الناس رجلين ؟! أحيمر ثمود عاقر الناقة، والذي يضربك على هذه ( أي على رأسك ) فيخضب هذه منها ( يعني تخضب اللحية بدمه " (3) وذُكر أيضًا في موضع آخر, حيث قال النبي صلى الله عليه وآله :" إنَّ أحق أسمائك أبو ترابٍ , أتت أبو تراب " (4)
وقد أراد أعداؤه استغلال هذه الكنية للإقلال من شأنه وقدره , ولكن النبي صلى الله عليه وآله جعله وسامًا قد علقه الإمام عليه السلام على صدره مفتخرًا به دومًا , وكذلك تبين هذه الكنية مدى الزهد ورفض متع الدنيا في نظره عليه السلام وأنه لا تزداد شأنًا عن ها التراب , وابى التراب إلا أن يكون ملازمًا له عليه السلام , فلو تجولت في الحرم الداخلي للحرم المطهر في الايوان الغربي فستجد ما يشير لذلك على وسط بقعة مزخرفة من الكاشي الكربلائي الأبيض
وفيه قال عبد الباقي العمري شعرًا راقيًا :
أنت ثاني الاباء في منتهى الــــدور وآباؤه تعد بنوه
خلق الله ادما من تراب فهو ابن له وأنت أبوه (5)
• مما سبق :
لنقف وقفة الصادقين ونقرأ عليًا من زواياه القرآنية المتعددة , ولنسأل أنفسنا :
1- هل قرأنا عليًا ( عليه السلام ) في سيرته العطرة ؟
2- وكيف نقرأ عليًا ( عليه السلام ) في زمننا هذا ؟
3- ( قرآن علي الأخلاقي ) كيف هو في سلوكنا وقيمنا ومبادئنا ؟
4- وكيف نرتقي بتعاملنا مع بعضنا البعض تحت ركب ولاية علي ( عليه السلام ) ؟
5- وغيرها الكثير الكثير .
ولنختم وقفتنا بهذه القصيدة الرثائية " للسيد جعفر الحلي "رحمه الله ".
لبس الإسلام أبراد الســــــواد يوم أردى المرتضى سيف المرادي
ليلة ما أصبحت إلا وقـــــــــد غلب الغي على أمر الرشــــــــــــاد
والصلاح انخفضت أعلامـــه وغدت ترفع أعلام الفســـــــــــــــاد
ما رعى الغادر شهر الله فـي حجة الله على كل العبــــــــــــــــــاد
وببيت الله قـــد جدّ لـــــــــــه ساجداً ينشج من خوف المعــــــــاد
يا ليال أنـــزل الله بهــــــــــــا ســـــــــــور الذكر على أكرم هادي
مُحيت فيك على رغم العـــــلى آية في فضلها الذكرينــــــــــــــادي
قتلوه وهــو في محرابـــــــه طاوي الأحشاء عن مـــــــــاء وزاد
سل بعينيه الدجى هـــل جفتـا عن بكا أو ذاقتا طعم الرقـــــــــــاد؟
وسل الأنجم هــل أبصرنـــــه ليلة مضطجعاً فوق الوســـــــــــاد؟
وسل الصبح هــل صادفـــــه ملّ من نوح مـذيب للجمــــــــــــاد؟
عاقر الناقة مع شقـــوتــــــه ليس بالأشقى مـن الرجس المـرادي
فـلقــد عمم بالسيف فـتــــــى عمّ خلق الله طراً بالأيـــــــــــــــادي
فبكتــــه الأنس والجن معـــــاًوطيور الجـــــــومع وحش البوادي
وبكاه الملأ الأعلى دمـــــــــــاًوغدى جبريل بالويل ينـــــــــــــادي
هـــدمت والله أركان الهــدى حيث لا من منــذر فينا وهـــــــــادي (6)
_______________________________________________
المصادر :
(1) نهج البلاغة الخطبة رقم 192
(2) ذخائر العقبى صـ56
(3) مستدرك الحاكم صـ104/3
(4) مجمع الزائد صـ100/ 9
(5) ديوان عبد الباقي العمري صـ126
(6) رياض المدح والرثاء 219