شرفني الله والعـائلـة الكريمة بزيارة العتبات المقدسة في مكة الـمكرمة والمـديـنة المنورة رأيت وأطلعت عن وجود فرص وظيفية متـاحـة لأخـواني الشبان الـعـاطلـيـن والـبـاحـثيـن عن العمـل والكسب الحلال والحاصلين على الشهادات من الـكفـاءة ومـا دون ... فمن نعم اللـه سـبحانـه وتـعالـى علـى تـلك الـديار المقدسـة أن من عليها بنعم جمة لا تعد ولا تـحصى حـيث الـروحانيـة والقدسية والكسب الـحلال والـنعم والـخير الـوفير في جميع الأوقـات فجراً وظهراً وليلاً في كل الأوقات بلا استثناء بمجاورة الكعبة الشريفة في مكة المكرمة وبالحرم النبوي الشريف بجوار منقذ البشرية.
أخذ مـني هـذا الـموضوع فـي زيارتي العائلية السريعة للـديـار المـقدسـة الاهتـمام الـكبـيـر حـتـى أصبـحـت أدون بـقلـمي ودفـتري الـصغير عن الكثير من الأعمال والمهـن الـتي يزاولها كـافـة الأخـوة بالديار المـقـدسة من مـواطـنين ، مقيمين ، معتـمرين ، زائرين أو مـتخلفـين وغيـرهم للكـسب فـكـلاً له طـريقته وأسلـوبه للعيـش ، الـجميع يعمل فـلا تـجـد احـد عـاطـلاً فـمـن الـنـادر أصـلاً أن تـجـد عـاطـلاُ بـتلـك الـديار ... من هذا الـمنطلق راودتـني فكرة كـتابـة هـذا الاستطلاع الـمبسط عن معانـاة بـعض مـن شـبابـنا الـعاطلين والباحـثيـن عـن الـعمـل أو الـذيـن يـعملـون بـوظـائـف مـتدنيـة الـدخل لا تـسد الرمـق .
لـذا ادعوهم لمن يرغب الـبحث عـن الـكسب الـحـقيقي بـالـتـوجـه افراداً أو مـجموعـات إلـى مكة المكرمة والمدينة والمنورة ( مبدئياً كتجربة اولية ايام موسم الحج لهذا العام 1432 هـ ) حيث الـخير والـبركة والعطـاء الشي الـذي لا أستطيع أن أصفه بسطور فقد عـايشت الوضع لـفتـرة بـسيطـة عن قرب ورأيـت تـلك الـوظائـف الـتي لا تـحتـاج إلى شهـادات أو خـبرات أو واسطـات أو غـيرهـا ومـدخولـهـا يقـارب راتب الموظـف الـجامعي إن لم يكن أكثـر أقولهـا وبكل صراحـة وبـكل جرأة وعلـى لساني وبمسئوليتي بأن في تلك الأعمال من الـمداخيل والكسب لا يوازيهـا في مـثيلاتهـا أي مكسب أخر وسأتطرق إلى بعض من تلك .
وللأسف أقولها وبكل صراحة أن أغلـب تلك الـمهن أصبحت خـيراتهـا تـذهب إلى الـعمالـة الوافدة والـمقيميـن وغيرهم من الـمتخلفين الـغير نظـامـيين لذلـك حاولت قدر الـمستطـاع ان أقوم بأعداد هذا الاستطلاع الـمبسط عن خـلاصة بعض من تلك الأعمال فكان أن الـتقيت ببعض من أصحاب تلك الـمهن وبطريقـة غير مباشرة فمنهم من استجاب ومن هم من أعتذر ومن من طلب عدم التعريف به فكان الحديث التالي معهـم :
الـمـهـنـة الأولـى " الـسائقـيـن " :
وهي مـن الـمهـن التـي لا تـحتـاج إلى شـهـادات أو خبرات أو واسطات أو غيـرها كل ما في الأمر تحـتاج إلى سيارة مـتوسطة الحال مبدئياً ويا حبذا ان تـكون ( صـالـون غـمـارتـيـن ) أو ( ميكروباص 12 راكب ) ، وهـنا سـأتـحدث عن هـذه الـمهـنـة بـتـمعـن حـيـث فـيها مـن الـخـير الـكـثـير الـذي لا يـوصف ولا يـصدق فـبـإمـكانـك ان تـحـصل عـلـى ركـاب وفـي جـميـع الأوقـات حـتـى فـي منتصف الـليـل بـسـبب أن الـمسجـد الـحرام لا يـغلـق ( 24 ) سـاعـة مـفـتـوح للمـعـتـمـريـن والـزائـريـن ، وجـدتـهـا فـرصـة أن أتحدث مـع بـعـض الأخـوة الـمـواطـنـيـن أصـحـاب هـذه الـمـهـنة فـكان مـعـهم الـحـديـث الـتالي الـسائق ابـو جابر مـن سكان أحدى الـهـجر الـقريبـة من مـكة الـمكرمة فـيقول ولله الـحمـد تـعتـبر هذه الـمهـنة من الـمهـن الـتي دخلـهـا الـيـومي لا يقل أبـداً عـن ( 200 ) ريال فـي الأيـام الـعـاديـة وبـنهـاية الأسبـوع وأيـام الـعطـل والـموسم يـصل الـدخـل إلـى الضعـف فـأنـا أحـرص كل نـهايـة أسبـوع بـأستمرار لـلـذهـاب إلـى مـكة للـعمـل عـلـى سـيـارتي الـخـاصـة الـوانيـت ، أمـا الـحاج أبـو بـدر هـو الأخـر مـن سـكـان مـكة يـقول أبـدأ يـومـي مـن بـعـد صـلاة الـعصـر لـغـايـة بـعـد صـلاة الـعشـاء فـقـط للـعمـل عـلى سـيـارتـي الـبـكـب فـيقـول الـحمـد للـه كـأقـل تـقديـر أحـصل كل يوم عـلى أكـثـر مـن الـ ( 150 ) ريـال ، أمـا الـسائـق عـبد الـغنـي صـاحب حـافـلة صغيرة لـعدد ( 15 ) راكب فـي الـبـاص فـيـقـول امـتـهـنـت هـذه الـمهـنـة مـنـذ فـتـرة طـويـلـة وانـا اعـمل عـليـهـا أقـوم بـأخـذ الـحجـاج والـمعتمـريـن والـزوار مـن مـكة إلـى جـدة والـعكـس بـأستـمـرار بـمـدخـول لا يـقل تـقريبـاً عـن ( 250-300 ) ريال يـوميـاً وتـزداد أكثـر أيـام الإجـازات والـعطـل والـخميـس والـجمعـة ، أمـا الـسائـق ابـو سـعيد فـيقول أحـرص عـلى أن أقـف بـحـافـلتـي الـصغيرة خـارج الـحرم أمـام ساحة بـوابـة الـسلام بـعـد كل فـريـضة مـبـاشـرة كـل يوم وأقوم بـإيصـال الـمجمـوعـات إلـى الـفنـادق أو إلـى جـدة لـلمطـار أو الـمشـاويـر الـخـاصـة الـعائـليـة إلـى الأسـواق وغـيرهـا ورفـض الإفـصـاح عـن مـدخوله الـيومـي وبـعـد إلـحاح بـسيـط تـحـدث بـأنـه يقـارب ( 300 ) ريال كأقـل تـقديـر يومياً ويـقول بـأنـة لا يـتعطـل أبـداً فـي الحصول على ركاب وفي جميـع الأوقـات .
الـمـهـنـة الـثـانـيـة " الــمـطـوفـيـن " :
وهـي مـن الـمـهـن الـقديـمـة والـتي فـي الأغلـب يـتـوارثـهـا الأبـناء عـن الآباء والأجداد فـيـهـا مـن الـكسب الـديـني والـدنـيوي الـشي الـكـثـير مـدخـولـهـا الـيـومـي حـسب حديث أصـحـاب الـمهنـة لا يقل عـن ( 200 ) ريـال بـمـدخول لا يـقل عـن ( 6000 ) آلاف ريال شهـريـاً تـحـدثـت مـع الـشـاب محمـد وهـو كـما افـاد من سكان مـكة ورثها أبـاً عن جـد صـاحـب عـربـة يـقـوم بـخـدمـة كـبار الـسن والـمرضى لأداء الـعـمرة مـن طواف وسـعي بـقـيـمـة ( 100 ) ريال للـشخص سـألـتـه بـعـفوية عـن طـبيعـة عمله أجـابـني بـكل رحـابـة صدر يـقـول مـن حـمد اللـه وشكره انـه طـوال أيـام الـسنة ونـحن لا نـتوقف عن الـعمـل خـصوصاً الأشهر مـن ( رجب لـغايـة محرم ) نـقوم بـخـدمـة الحـجـاج والـمعتـمـريـن والـزوار بـمعدل لا يقل أطـلاقـاً عن شـخصين فـي الـيوم الـواحد بـحدود ( سـاعتـين ) أو أقـل لـكل شـخـص فـي أوقـات الـذروة وخـلال شـهري رمـضان وذو الحجة يـتـضـاعف الـعدد إلـى أكثـر . الـكلام ذاتـه تـحدث به الحاج سعود مـن سكان مـكة المكرمـة أيـضاً يقول امتـهـنت هـذه الـشغلـة منـذ الـصغـر فـكنت أساعـدوالدي فـي أوقـات عدة حـتى كـبر فـقمت بـالعمـل مـكـانـة أصبحـت أعـيل أسرتـي ووالـداي وأخـواتـي مـن هـذه الـمـهنـة الـتي فـيهـا الأجـر والـثواب مـا يفوق الـخيال فـيقـول نقوم بـخـدمة شـخـصيـن أو أكثـر فـي الـيـوم الـواحـد فـي الأيـام العادية تـزداد فـي أيام نـهايـة الأسـبـوع إلـى أكثر من ذلك فـيمـا تـعتبـر الأشـهر من ( بدايـة الـعطـلـة لـغاية بعد الحج ) هذه الأشهـر على وجه الـتحديد لا نـتوقـف فـيهـا عن الـعمل اطـلاقـاً . أما الشاب عمر فـتحدث بـتحـفظ رغـم إنـني أفـصحت لـه أنـني لـست صحفيـاً كل مـا تـحدث بـه انـه يـتنـاوب عـلـى هـذه الـمهـنـة هـو وأخويه غازي ( و الـثاني نسيت حـفظ أسمه ) بعد كبر سن والـدهم تولـيا معاً بالـتنـاوب مساعدة والـدهم وتـحـدثا بـأن مـدخول هذه المهنـة يعتبر جـيد رغـم التعب الشديد الذي يعانون منه وبـالأخص بـين الـصفا والـمروة بسبب تـقيدهـم بعدم الـسير إلا ضمن المسار الخاص بهم ذهابـاً كان أو أياباً بسبب الـتوقف المستمر ، كما أفادا بـأنـه لا يقل عـن شخصين أو أكثر في اليوم الـواحد ويـزداد إلـى أكثر مـن ذلك في الأجازات والعطل ونـهاية كل أسبوع .
لـذا أعيد هـذه الـعبارة وكلي مـسؤولـيـة فـليـذهب طـالـبي الـعـيش الـرغـيف والـكـسب الـحلال إلـى الـديـار الـمقدسة فـي مـكة والـمدينـة ولـو لـفترة الـحج فـقط كتجربـة .. فـلـتذهبوا كمجموعات مع بـعضكم البعض مؤقـتـاً أو كأفراد ولـتـجربـوا ما تفوهت بـطرحـة عليـكم وكلي ثـقة بـأن يكون طـريـق الـخـيـر مفتوح بمصراعيه أمامكم ولتجربوا تلك لغاية بعد انتهاء فـترة الحج فقط وبعد ذلـك لكل حادث حديث .
ولعل تلك الـوظائف تناسب شريحة مـعينة من الـنـاس وهي شريحـة الأخوة الـحاصلين عـلى شهـادات الكفاءة المتوسطـة وما دون ولا مانـع مـن مـزاولـتها مـن قـبل بعض الأخوة الحاصلين علـى شهادات الثانوية ولم يوفقوا بوظائف سواء بالقطاع الحكومي أو الـخاص .
فـأنـا أعـرف بعض الاشخاص من مـحـافـظـة الأحساء يعملـون بالمنطقة الـصناعية الـثـانـية بـالـدمام بـوظـيـفة ( عامل ) يقطعون كل يوم ذلك الـمشوار بالباص ذهاباً وأيابـاً وبراتب ( 1200 ) ريال أو أقـل يستقطع منهـا (250 ) ريال لصاحب الباص و ( 100 ) ريال للتأمينات فكم يتبقى من الراتب ( 850 ) ريال وتصور يركب الباص فـي تمام الساعة الخامسة والنصف فجراً ويصل إلى بيته فـي ما يقارب الرابعة والنصف عصراً بعدها كيف سيكون وضعه النفسي هل سيستطيع ان يقوم بعمل أخر لتحسين وضعة المادي ؟؟ اجزم : لا!
أحد الأخوة يعمل كسكرتي ( حارس أمن ) في أحدى المستشفيات بالمنطقة الشرقية يعمل براتب ( 1000 ) ريال فقط مستقطع منها ( 100 ) ريال للتأمينات الأجتماعيـة ولمدة ( 10 ) ساعات في بعض الأيام .. طرحت عليه هذه الأستطلاع تردد قليلاً في بادئ الأمر وتـشجع بعد الأخذ والعطاء معه ووعدني بالذهاب لتجربـة هذا المقترح وبالأخص فكرة وظيفة ( حارس أمن ).
أمـا الـشاب سامي مـن أحدى الـقرى الشمالية بمحافـظة الإحساء متزوج يعيل اسرتة المكونـة من زوجتة وطفلتين فيقول اعمل بوظيفة ( عامل ) في المنطقة الـصناعية بالـعيون بـراتب( 1100 ) ريال تُخصم منها ( 100 ) ريال للـتأمينـات ومن الـساعة الـثـامنة لغايـة السادسة عصراً بـنظام دوامين يتـخـللهم راحة لمدة ساعتين ونصف فأضطر أنا وزملائي للبقاء في العمل اثناء فترة الراحة وذلك لـصعوبة العودة لمنازلنا لبعد المسافة وللتكلفة الماديـة .
وفي ختام استطلاعي هذا اسأل الله إن يوفق شبابنا وأبنائنا لكل خير أنه سميع مجيب الدعاء.
وكلي رحابة صدر لتقبل أي ملاحظات على هذا الاستطلاع القيم في محتواه.